لأنّ الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين، فليسوا برسل، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم، لأنّ أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط. (فَإنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يدي من ارتضى للرسالة. (ومِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين؛ يطردونهم عنه ويعصمونه من وساوسهم، حتى يبلغ ما أوحي به إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتصاف: "ادعى الزمخشري عاماً واستدل بخاص، فالدعوى امتناع الكرامات كلها، فيجوز إعطاؤه الكرامات كلها إلا الاطلاع على الغيب. ولعل شُبهة القدرية في إبطالها، ان الله تعالى لا يتخذ منهم ولياً أبداً".
وقلت: الأقرب تخصيص الإطلاع بالضعف والخفاء؛ فإن إطلاع الله الأنبياء على الغيب، أمكن وأقوى من إطلاعه الأولياء، يدل على حرف الاستعلاء في ﴿عَلَى غَيْبِهِي﴾، قال الله تعالى: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١]، فضُمّن ﴿يُظْهِرُ﴾ معنى "يُطلع"، أي: فلا يُطلع الله على غيبه إظهاراً تاماً، وكشفاً مرضياً جلياً، إلا لمن ارتضى من رسول الله، فإن الله تعالى إذا أراد أن يُطلع النبي على الغيب، يُوحي إليه أو يُرسل إليه المَلَك، ويحفظ الموحى برصد من الملائكة، يدل عليه ترتيب الكلام في قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾، وتعليله بقوله: ﴿لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾.
وأما كرامات الأولياء، فهي من قبيل التَّلويحات واللَّمحات، أو من جنس إجابة دعوة وصدق فراسة؛ فإن كشف الأولياء غير تام كالأنبياء، قال الشيخ العارف أبو القاسم القُشيري


الصفحة التالية
Icon