(سَبْحًا) تصرفاً وتقلباً في مهماتك وشواغلك، ولا تفرغ إلا بالليل؛ فعليك بمناجاة الله التي تقتضي فراغ البال وانتفاء الشواغل. وأما القراءة بالخاء فاستعارة من سبخ الصوف، وهو نفشه ونشر أجزائه؛ لانتشار الهم وتفرق القلب بالشواغل؛ كلفه قيام الليل، ثم ذكر الحكمة فيما كلفه منه، وهو أن الليل أعون على المواطأة وأشد للقراءة، لهدو الرجل وخفوت الصوت، وأنه أجمع للقلب وأضم لنشر الهم من النهار؛ لأنه وقت تفرق الهموم وتوزع الخواطر والتقلب في حوائج المعاش والمعاد. وقيل: فراغاً وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك، وقيل: إن فاتك من الليل شيء فلك في النهار فراغ تقدر على تداركه فيه.
[(واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً • رَّبُّ المَشْرِقِ والْمَغْرِبِ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وكِيلاً • واصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً) ٨ - ١٠]
(واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ودم على ذكره في ليلك ونهارك، واحرص عليه، وذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب: تسبيح، وتهليل، وتكبير، وتمجيد، وتوحيد، وصلاة، وتلاوة قرآن، ودراسة علم، وغير ذلك مما كان رسول الله ﷺ يستغرق به ساعة ليله ونهاره (وتَبَتَّلْ إلَيْهِ) وانقطع إليه.
فإن قلت: كيف قيل (تَبْتِيلاً) مكان تبتلا؟
قلت: لأن معنى تبتل بتل نفسه، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل)، لأنه قيل: قليلاً، طويلاً، فقيل: تبتيلاً، مراعاةً لها، قال صاحب "الفرائد": "يمكن أن يقال: يعني لما كان معنى "تبتل إليه": انقطع إليه، أُقيم التَّبتيل مقامه، وأكد ليدل على أن ذلك الانقطاع إلى الرب، لا يحصل إلا بتكرار التَّبتُّل؛ فالتبتيل يدل على حصول الشدة، والتبتل على التكرار، لأن التفعيل لتكثير الفعل".