إلا ترك الاستكفاء والتفويض، كأنه إذا لم يكل أمره إليه، فكأنه منعه منه؛ فإذا وكله إليه فقد أزال المنع وتركه وإياه، وفيه دليل على الوثوق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما تدور حوله أمنية المخاطب وبما يزيد عليه. النعمة بالفتح: التنعم، وبالكسر: الإنعام، وبالضم: المسرة؛ يقال: نعم، ونعمة عين، وهم صناديد قريش، وكانوا أهل تنعم وترفه.
(إنَّ لَدَيْنَا) ما يضاد تنعمهم: من أنكال، وهي القيود الثقال؛ عن الشعبي؛ إذا ارتفعوا استقلت بهم، الواحد: نكل ونكل. ومن جحيم: وهي النار، الشديدة الحر والاتقاد. ومن طعام ذي غصة، وهو الذي ينشب في الحلوق فلا يساغ، يعني: الضريع وشجر الزقوم. ومن عذاب أليم: من سائر العذاب، فلا ترى موكولاً إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلا ترك الاستكفاء)، قيل: الاستثناء مُنقطع، والظاهر أنه من قبيل قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٨ - ٨٩].
قوله: (نَعَمْ، ونُعْمةَ عَين)، نَعَمْ: حرف إيجاب، يقول المجيب للطالب: نَعَمْ، ونُعْمةَ عَين، قيل: التقدير: أنعم عينك إنعاماً، أي: أقرَّها. وقال: ولم يسمع هذا إلا عندهم. الجوهري: " نُعْمة العين، بضمها: قُرَّتها. ويقال: نُعْمَ عَين، ونُعْمةَ عَين، أي: أفعل ذلك كرامة لك وإنعاماً لعينك، وما أشبهه".
قوله: (فلا ترى موكولاً إليه)، متصل بقوله: ﴿ذَرْنِي﴾، لأن الفاء نتيجة لقوله: "إن لدينا ما يُضاد تنعمهم". و"إن لدينا" تعليل لقوله: ﴿ذَرْنِي﴾، أي: كل إليَّ أمرهم وذرني وإياهم، فإنك لا ترى أحداً موكولاً إليه [أمرهم]، ولا موذوراً بينه وبينهم ينتقم منهم بمثل ذلك الانتقام، وهو الأنكال والجحيم والطعام والعذاب؛ فالضمير في "إليه" و "بينه"، يعود إلى الموصوف المحذوف، ولا ضمير في "مَوْكولاً" ولا "مَوْذوراً"، لإسنادهما إلى "أمرهم" وإلى "بينه وبينهم"، و "ينتقم": صفة للموصوف المحذوف، لا للموكول والموذور، لأنَّ الوصف لا يوصف.


الصفحة التالية
Icon