قال الخليل في قوله عزّ وجلّ: (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى): الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى، ولكنهما الواوان اللتان تضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك: مررت بزيد وعمرو، والأولى بمنزلة الباء والتاء. قال سيبويه: قلت للخليل: فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى؟ فقال: إنما أقسم بهذه الأشياء على شيء، ولو كان انقضى قسمه بالأوّل على شيء لجاز أن يستعمل كلاما آخر، فيكون كقولك باللَّه لأفعلنّ، باللَّه لأخرجنّ اليوم. ولا يقوى أن تقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال أبو علي: والذي يمنع هذا: أن القسم يبقى متعلقاً بغير مقسم عليه؛ ألا ترى أنه إذا قال: قاف أو صاد، فنصبه بأنه مقسم به، لم يتلقه محلوف عليه، يدل على ذلك استئنافك باسم آخر لا يجوز عطفة على هذا الاسم الأول إذا قدرته مقسما به لانجراره بالواو. فهذا التأويل الذي ذكرنا امتناعه في هذه الفواتح لا يخلو الاسم المنجر فيه من أحد أمرين: إما أن يكون معطوفاً على ما قبله، وإما أن يكون مستأنفاً منقطعاً منه.
ولا يجوز أن يكون معطوفا على ما قبلة لانجراره وانتصاب المعطوف عليه، فإذا لم يجز ذلك؛ ثبت أنه منقطع مما قبله، وأن الواو للقسم لا للعطف، وإذا كان كذلك، لم يكن الأول قسماً؛ ألا ترى أن الخليل وسيبويه لم يجيزا في قوله تعال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) الآية [الليل: ١] كون الواوين اللتين بعد الأولي قسما كالأولي فقالا فيهما: إنهما للعطف لما كان يلزم من إجازة ذلك بقاء القسم الأول غير متعلق بمقسم عليه. تم كلامه.
واستدل الخليل أيضا على أن الواو الثاني للعطف بأنه لو وضع موضعها "ثم" و"الفاء" كما يقال: وحياتي ثم حياتك لأفعلن: لم يتغير المعنى وهما حرف عطف.
وأعترض عليه بأنه لو جعل الواو في: (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل: ٢] للعطف؛ للزم العطف على معمولي عاملين متغايرين، وهو غير سائغ.


الصفحة التالية
Icon