قلت: كأن المعنى في ذلك الإشعار بأن الفرقان ليس إلا كلما عربية معروفة التركيب من مسميات هذه الألفاظ، كما قال عز من قائل: (قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف: ٢].
فإن قلت: فما بالها مكتوبة في المصحف على صور الحروف أنفسها، لا على صور أساميها؟ قلت: لأنّ الكلم لما كانت مركبة من ذوات الحروف، واستمرّت العادة متى تهجيت ومتى قيل للكاتب: اكتب كيت وكيت أن يلفظ بالأسماء وتقع في الكتابة الحروف أنفسها، عمل على تلك الشاكلة المألوفة في كتابة هذه الفواتح.
وأيضاً فإن شهرة أمرها، وإقامة ألسن الأسود والأحمر لها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال في ((الفائق)): والذي يؤدي إليه النظر في معنى هذا الحديث: أن السور السبع التي في أوائلها ((حم)) سور لها شأن، فنبه صلوات الله عليه أن ذكرها لشرف منزلتها وفخامة شأنها مما يستظهر به على إنزال رحمة الله في نصرة المسلمين، وفل شوكة الكفار، وقوله: ((لا ينصرون)) كلام مستأنف؛ كأنه حين قال: ((قولوا: (حم)، وقال له قائل: ماذا يكون إذا قلت هذه الكلمة؟ فقال: ((لا ينصرون)).
قوله: (كأن المعنى في ذلك الإشعار) إلى آخره. فإن قلت: أليس هذا المعنى يفيده الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة في الفواتح وهو قوله: ((أن يكون ورودها على نمط التعديد كالإيقاظ وقرع العصا))؟
قلت: لأن هذا المعنى إنما يفيده هذا الوجه بحسب التناسب بين الاسم والمسمى من غير قصد في التسمية إليه، وهناك يفيده قصدا أوليا، ومن ثم قال: ((كأن المعنى)) على التشبيه دون الجزم. وفيه إشارة إلى مذهبه على سبيل الإدماج.