فإن قلت: فالأصبع التي تسدّ بها الأذن أصبع خاصة، «٣» فلم ذكر الاسم العام دون الخاص؟ قلت: لأن السبابة فعالة من السب؛ فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن. ألا ترى أنهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدّعاءة. فان قلت: فهلا ذكر بعض هذه الكنايات؟ قلت: هي ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد، وإنما أحدثوها بعد. وقوله مِنَ الصَّواعِقِ متعلق بيجعلون، أى: من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم، كقولك: سقاه من العيمة «١». والصاعقة: قصفة رعد تنقض معها شقة من نار، قالوا: تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه، وهي نار لطيفة حديدة. لا تمرّ بشيء إلا أتت عليه، إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود. يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت. ويقال: صعقته الصاعقة إذا أهلكته، فصعق أى مات إما بشدة الصوت أو بالإحراق. ومنه قوله تعالى: (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) [الأعراف: ١٤٣]. وقرأ الحسن: من الصواقع وليس بقلب للصواعق؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من العيمة). العيمة: اشتهاء اللبن، يقال: عام إلى اللبن. أي: اشتهاه. قال صاحب "الضوء": يروى: "عن العيمة"، أي: بعده عنها وجاوز به حكمها إلى الري، وإن شئت قلته بـ "من" على معنى سقاه من جهة العيمة، وهذا من عمل من تم كلامه. و"من" هذه كما في قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا) [مريم: ٥٣] أي: من أجل رحمتنا.
قوله: (قصفة رعد)، الجوهري: رعد قاصف: شديد الصوت، والقصف: الكسر. تنقض، أي: تسقط.
قوله: (إلا أتت عليه) أي: أهلكته ووطئته وطأ مفنيًا. الأساس: أتى عليهم الدهر: أفناهم. وقال أبو زيد: الصاعقة: نار تسقط من السماء في رعدٍ شديد.
قوله: (ومنه قوله تعالى: (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) [الأعراف: ١٤٣]) أي: ومنه مجاز قوله تعالى: (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) كقوله في قوله تعالى: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [البقرة: ٥٥]: