فإن قلت: فما بال الداعي يقول في جؤاره: يا رب، ويا اللَّه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وأسمع به وأبصر؟ قلت: هو استقصار منه لنفسه، واستبعاد لها من مظانّ الزلفى وما يقرّبه إلى رضوان اللَّه ومنازل المقرّبين، هضما لنفسه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو بحسب التفطن، وأن الخطاب بمكانٍ بعيدٍ عن التفكر لما فيه من المعاني الدقيقة، أو أنه معني به جدًا كما نحن بصدده، فينزل لذلك المخاطب منزلة الغافل تهييجًا وإلهابًا ليتلقاه بشراشره ومجامع قلبه.
قال المصنف في قوله تعالى: (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) [الأنفال: ٦٥] أي: سمهم حرضًا كما يقال: ما أراك إلا ممرضًا في هذا الأمر، ليهيجه ويحرك منه.
قوله: (في جؤاره)، النهاية: الجؤار: رفع الصوت والاستغاثة، ومنه الحديث: "لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله".
قوله: (وأسمع به وأبصر) عطف على جملة قوله: "وهو أقرب إليه من حبل الوريد". قال أبو البقاء في قوله تعالى: (لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [الكهف: ٢٦]: الهاء في "أبصر به" تعود على الله وموضعها رفع، والباء زائدة أي: أبصر الله. وهكذا في فعل التعجب الذي هو على لفظ الأمر.
قوله: (واستبعاد لها من مظان الزلفى) تفسير لقوله: "استقصار منه لنفسه" وكذا "ما يقربه" تفسير لقوله "من مظان الزلفى" وكذا "إقرارًا علهيا بالتفريط في جنب الله" تفسير