ومعنى (دون): أدنى مكان من الشيء. ومنه الشيء الدون، وهو الدنىّ الحقير، ودوّن الكتب، إذا جمعها، لأن جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض وتقليل المسافة بينها. يقال: هذا دون ذاك، إذا كان أحط منه قليلا. ودونك هذا: أصله خذه من دونك. أى من أدنى مكان منك فاختصر واستعير للتفاوت في الأحوال والرتب فقيل زيد دون عمرو في الشرف والعلم. ومنه قول من قال لعدوّه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولهم: لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي. وأما الشهادة المتعارفة فأصلها الحضور بالقلب والتبيين، ثم يقال ذلك إذا عبر باللسان، ثم يقال لكل ما يدل على شيء. إن لم يكن قولاً. فقوله. (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ) قد فسر على كل ما يقتضيه لفظ الشهادة.
قوله: (ومنه الشيء الدون) أي: مأخوذ من هذا الأصل. وكذا جميع الأمثلة.
قوله: (فاختصر) معطوف على قوله: "أصله خذه من دونك"، وقوله: "واستعير" على قوله: "أي: من أدنى مكان" يعني لما كثر استعمال في هذه المعاني استعير في معنى المرتبة مطلقاً بأن شبهت المراتب المعنوية بالمكانية واستعير لها ما كان مستعملاً هناك، ثم اتسع فيها، فجعل مثلاً لكل تجاوز حد من غير نظر إلى الاستعارة.
وقال الزجاج: ومعنى "من دون المؤمنين" في قوله تعالى "لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" [آل عمران: ٢٨] أنه لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، والكلام جار على المثل في المكان كما تقول: زيدٌ دونك، وليس معناه أنه في متسفل، وأنت في مرتفع، ولكن جعلت الشرف بنزلة الارتفاع في المكان، والخسة كالاستفال فيه، والمعنى: أن المكان المرتفع في باب الولاية مكان المؤمنين دون الكافرين.


الصفحة التالية
Icon