فقيل لهم: إن استبنتم العجز فاتركوا العناد فوضع (فَاتَّقُوا النَّارَ) موضعه؛ لأنّ اتقاء النار لصيقه وضميمه ترك العناد، من حيث أنه من نتائجه لأنّ من اتقى النار ترك المعاندة.
ونظيره أن يقول الملك لحشمه: إن أردتم الكرامة عندي فاحذروا سخطى. يريد: فأطيعونى واتبعوا أمرى، وافعلوا ما هو نتيجة حذر السخط. وهو من باب الكناية التي هي شعبة من شعب البلاغة. وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية القرآن، وتهويل شأن العناد بإنابة اتقاء النار منابه وإبرازه في صورته، مشيعاً ذلك بتهويل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فقيل لهم: إن استبنتم) عطف على قوله "تبين عجزهم" إلى أخره، والفاء مثلها في قوله: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا)] البقرة: ٥٤ [.
قول: (لأن اتقاء النار لصيقه وضميمه ترك العناد) ظاهره يوهم أنه من باب المجاز: لأنه مشعر بأن اتقاء النار ملزوم ترك العناد لقوله: "اتقاء النار لصيقه" أي: لازمه ترك العناد، ثم قوله بعد ذلك: "وهو من باب الكناية" بخلافه لكن الشرط في الكناية التساوي بين الملزوم واللازم فكان كل واحد ملزوم الآخر، ولهذا فسر "لصيقه" بقوله: "ضميمه"، ونحوه قولهم: رعينا الغيث. وأما الإمام فقد جعله من إقامة المؤثر مقام الأثر؛ لأن اتقاء النار سبب لترك العناد.
قوله: (فائدته الإيجار) لأن أصل المعنى إذا استبنتم العجز فاتركوا العناد الذي يستلزم تركه اتقاء النار: فأنيب (فَاتَّقُوا النَّارَ) مناب المذكور جميعاً، يدل عليه قوله: "يريد فأطيعوني واتبعوا أمري وافعلوا ما هو نتيجة حذر السخط" أي: المذكور جميعاً مرادٌ من قوله: "فاحذروا سخطي"، ولو لم يكن كناية بان كان مجازا لم يصح إرادة المجموع.
قوله: (وإبرازه في صورته مشيعاً) الضمير في "إبرازه" للعناد، وفي "صورته" لاتقاء النار "مشيعاً" حال من اتقاء النار، والعامل قوله: "إنابة"؛ يريد أن في إيثار الكناية على التصريح فائدتين أخريين:


الصفحة التالية
Icon