وشياطينهم ناراً وقودها الشياطين، كما أنّ لكفرة الإنس ناراً وقودها هم، جزاء لكل جنس بما يشاكله من العذاب. فإن قلت: لم قرن الناس بالحجارة وجعلت الحجارة معهم وقوداً. قلت: لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا، حيث نحتوها أصناما وجعلوها للَّه أنداداً أو عبدوها من دونه: قال اللَّه تعالى: (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء: ٩٨]، وهذه الآية مفسرة لما نحن فيه. فقوله: (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) في معنى الناس والحجارة، و (حَصَبُ جَهَنَّمَ) في معنى وقودها. ولما اعتقد الكفار في حجارتهم المعبودة من دون اللَّه أنها الشفعاء والشهداء الذين يستشفعون بهم ويستدفعون المضارّ عن أنفسهم بمكانهم، جعلها اللَّه عذابهم، فقرنهم بها محماة في نار جهنم، إبلاغا في إيلامهم،.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن التنكير في قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)] التحريم: ٦ [لا يدل على تنوع نار الآخرة، وغايته أنه دل على تنوع النار مطلقاً، والجواب من وجهتين:
أحدهما: أن النار ناران: نارٌ لغوية وهي المتعارف] عليها [، ونار شرعية وهي نار الآخرة، فإذا توعد المكلف بالنار بادرت الشرعية، والتنكير يدل على نوعية تلك النار.
وثانيهما: أن التنويع بحسب من وعد بها، فإن من توعد بها في الآية هم المؤمنون، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) وفي الثانية الكافرون لقوله: (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)] الليل: ١٥ - ١٦ [. وأيضا دل هذا الحصر على الاختصاص.
قوله: (بمكانهم) متعلق بقوله: "يستدفعون" وهو مقابل لقوله: "يستشفعون بهم"، والمكان كناية عن مرتبتهم ومنزلتهم. وإنما قيد دفع المضرة به: لان الشافع إنما يدفع عن المشفوع بمكانته ومنزلته عند من يشفع له، أو كناية عن قوتهم وشوكتهم فيدفعون بها عنهم مضرة عدوهم.
قوله: (جعلها الله عذابهم فقرنهم بها محماة) الفاء فيه كما في قوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) للتعقيب والتفسير.