كما قال عليه الصلاة والسلام «بشر المشاءين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة لم يأمر بذلك واحداً بعينه. وإنما كل أحد مأمور به، وهذا الوجه أحسن وأجزل لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به. فإن قلت: علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهى يصح عطفه عليه؟
قلت: ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهى يعطف عليه إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جمة وصف عقاب الكافرين، كما تقول: زيد يعاقب بالقيد والإرهاق، وبشر عمراً بالعفو والإطلاق.
ولك أن تقول: هو معطوف على قوله: (فَاتَّقُوا) كما تقول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بشر المشائين إلى المساجد) الحديث اخرجه أبو داود والترمذي.
قوله: (ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر) يعني إذا حصلت الجهة الجامعة وقوي شأنها بين المعطوف والمعطوف عليه كما وجدت في هاتين الآيتين وهي شبه التضاد لا يبالي بالاختلاف من حيثية الخبري والطلبي في أجزائهما فإن ذلك إنما يعتبر عند عطف المفرد على المفرد، وأما في العطف الجملي، فيجوز ذلك بالتأويل. هذا تلخيص كلامه، مع أن ظاهر قوله: "هو جملة وصف ثواب المؤمنين" يوهم بتأويل الطلبي بالخبري وليس بذلك؛ لأن الواجب في الموضعين العكس، فإن قوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)] الجاثية: ٢٨ [قوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا) مجملان واردان على الخطاب فوجب تأويل التفصيل بما يناسبهما من الأمر وجعل الخبري في تأويل الطلبي.
قوله: (ولك أن تقول: هو معطوف على قوله: (فَاتَّقُوا)) قال الخطيب في


الصفحة التالية
Icon