وذلك أنّ النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام: الأميون منهم وأهل الكتاب، بخلاف النطق بأسامى الحروف، فإنه كان مختصاً بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم، وكان مستغرباً مستبعداً من الأمى التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة، كما قال عز وجل: (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت: ٤٨].
فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار أنه لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهله - حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن، التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليم، ودلالة ذاك عليه بإعتبار التنبيه على غرابة نظم القرآن؛ فلو تحدى به كاتب وقارئ لجاز، بخلاف الثاني. فالوجهان يدوران مع تفسير قوله تعالى: (فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) [البقرة: ٢٣] في أن الضمير في "مثله" إما لرسول الله، أو للقرآن كما سيجيء.
قال صاحب "التقريب": وفيه ضعف؛ لانه يمكن تعلمه لول بسماع من صبي في أقصر زمان.
والجواب: أن صدور مثل هذه الألفاظ من مثله، وهو ممن لم يمارس الخط والقراءة، ولم يشتهر به، سواء تعلم أو لم يتعلم بديع وغريب، فكان حكمه حكم العرب العرباء إذا تكلم بالزنجية مثلاً، فمطلق التكلم به منه غريب. والمقصود من إثبات الغرابة في الفواتح ليس إلا التنبيه على ما يرد بعدها من الإنجاز.
قوله: (ومن دان بدينها)، النهاية: "كانت قريش ومن دان بدينهم" أي: اتبعهم في دينهم ووافقهم عليه، واتخذ دينهم له دينا وعبادة.