مَنْ مُبْلِغٌ أَفْناءَ يَعْرُبَ كُلَّها أَنِّى بَنَيْتُ الجَارَ قبْلَ المَنْزِلِ.
وشهد رجل عند شريح. فقال: إنك لسبط الشهادة. فقال الرجل: إنها لم تجعد عنى. فقال: للَّه بلادك، وقبل شهادته. فالذي سوغ بناء الجار وتجعيد الشهادة هو مراعاة المشاكلة. ولولا بناء الدار لم يصح بناء الجار. وسبوطة الشهادة لامتنع تجعيدها. وللَّه درّ أمر التنزيل وإحاطته بفنون البلاغة وشعبها، لا تكاد تستغرب منها فنا إلا عثرت عليه فيه على أقوم مناهجه وأسدّ مدارجه. وقد استعير الحياء فيما لا يصح فيه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تسقني ماء الملام فإنني صبٌّ قد استعذبت ماء بكائي
فإن المرزوقي عده من المشاكلة. وقول الشاهد: "إنها لم تُجعد عني" جواباً عن قول شريح: "إنك لسبط الشهادة" يحتمل أن يكون من المطابقة بالنظر إلى اللفظين؛ لأن السبط ضد الجعد، وأن يكون من المشاكلة، إذ لو قال شريحٌ: إنك لبديه الشهادة لم يحسن منه: لم تجعد عني. وموقع الاستشهاد هذا القسم، ولذلك قال: "لولا سبوطة الشهادة لامتنع تجعيدها".
وأما قوله: "فجاءت على سبيل المقابلة" فلم يرد منه المعنى المصطلح عليه بل ما يصح أن يقابل به الكلام؛ لأن قوله: "وإطباق الجواب على السؤال" عطفٌ تفسيريٌ عليه، والمصنف سلك في هذا المقام طريق التشابه في الكلام، فهو مفتقرٌ إلى تقادح الآراء واستنباط الأساليب حتى يصرح المحض.
قوله: (أفناء يعرب) فناء الدار ساحتها، والجمع أفنية. يقال: هو من أفناء الناس إذا لم يُعلم ممن هو، ويعرب هو ابن قحطان سمى به القبيلة.
قوله: (وقد استعير الحياء) يتعلق بالجواب الأول وهو قوله: "هو جارٍ على سبيل التمثيل"


الصفحة التالية
Icon