فإن رفعتها فهي موصولة، صلتها الجملة لأن التقدير: هو بعوضة، فحذف صدر الجملة كما حذف في: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) [الأنعام: ١٥٤] ووجه آخر حسن جميل، وهو أن تكون التي فيها معنى الاستفهام لما استنكفوا من تمثيل اللَّه لأصنامهم بالمحقرات قال: إنّ اللَّه لا يستحي أن يضرب للأنداد ما شاء من الأشياء المحقرة مثلا، بله البعوضة فما فوقها، كما يقال: فلان لا يبالى بما وهب ما دينار وديناران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالذين آمنوا يعلمون أنه الحق من ربهم، فعلى هذا انتصاب "حقاً" على أنه صفة "مثلاً" لا على المصدرية كما سبق إلى بعض الأوهام. وأن قوله: "ألبتة" يتعلق بالوجه الثاني، وهو أن تكون "ما" مزيدةً، يعني أن الله لا يترك ضرب المثل ألبتة، لما فيه من الفوائد الجليلة والمنافع الكثيرة، لأنه أوقع في القلب وأقلع للشبه، وذلك أن "ما" إذا كانت إبهاميةً تُعطي معنى التنكير في "مثلاً" وتزيد في شيوعه، ولهذا قلنا: أي مثلٍ كان، وأن "ما" المؤكدة تؤكد معنى مضمون الجملة، وإليه الإشارة بقوله: "ألبتة"، ويعضده ما جاء في "المفصل": قولك: ما إن رأيت زيداً، الأصل: ما رأيت، ودخول "إن" صلةٌ أكدت معنى النفي.
قال القاضي: تسمية "ما" مزيدةً لا يُعنى بها اللغو الضائع، فإن القرآن كله هدىً وبيان؛ بل "ما" لم توضع لمعنىً يراد منه، وإنما وضعت لأن تذكر مع غيره فتفيد له وثاقةً وقوةً، وهو زيادةٌ في الهدى.
قوله: (بله)، النهاية: بله من أسماء الأفعال، كرويد ومه وصه، يقال: بله زيداً، بمعنى: دعه واتركه، وقد يوضع موضع المصدر، فيقال: بله زيدٍ، كأنه قيل: ترك زيدٍ.


الصفحة التالية
Icon