ومما يدل على أنه تغمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعا في تراكيب الكلم «٢». أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكرّرتين. وهي: فواتح سورة البقرة، وآل عمران، والروم، والعنكبوت ولقمان، والسجدة، والأعراف، والرعد، ويونس، وإبراهيم، وهود، ويوسف، والحجر. فان قلت: فهلا عدّدت بأجمعها في أوّل القرآن؟ ومالها جاءت مفرقة على السور؟ قلت: لأنّ إعادة التنبيه على أنّ المتحدّى به مؤلف منها لا غير، وتجديده في غير موضع واحد أوصل إلى الغرض وأقرّ له في الأسماع والقلوب من أن يفرد ذكره مرة، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس وتقريره. فان قلت: فهلا جاءت على وتيرة واحدة؟ ولم اختلفت أعداد حروفها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كل تكرير)، إعلم أن التكرير: إما تكرير الألفاظ بنفسها كقوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: ١٣]، وإما تكرير المعاني من غير النظر إلى الألفاظ؛ فهو كتكرير هذه الألفاظ في السور، فالمكرر هو التنبيه نفسه وإن إختلفت الألفاظ.
قوله: (فهلا جاءت على وتيرة واحدة)، الوتيرة: الطريقة.
غن قلت: ما معنى الفاءات في الأسئلة وهي: "فهلا عددت؟ " و"فهلا جاءت؟ " و"فما وجه اختصاص كل سورة؟ " قلت: الأولى مسببة من جعل الفواتح كقرع العصا، وجعلها تقدمة لدلائل الإعجاز: أي: هذان السببان يوجبان أن تذكر مجموعة في صدر الكلام؛ فلم فرقت؟
والثانية مسببة عن قوله: "لأن إعادة التنبيه على أن المتحدى به مؤلف" يعني كان يحصل التنبيه بمجرد الإيراد؛ فهلا أجريت على نسق واحد على أن التكرير يستدعيه؟