سفاكين للدماء؛ إرادة للرد عليهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهاتوا أنتم طائفة يسيرة من جنس ما أتى به. لكن أصحابه لا يرضون منه هذا التقدير، لما يلزم من فضل البشر على الملائكة.
تنبيه: واعلم أن قوله: (وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [البقرة: ٣٠] ينتظم في سلك جوامع الكلم التي هي من حلية التنزيل، فأتى بلفظ السفك الدال على الإراقة والإجراء كالمائع، وخص بالمضارع المنبئ في مثل هذا المقام عن الاستمرار، نحو: فلان يقري الضيف، ويحمي الحريم. وجمع الدماء وحلى بلام الاستغراق ليصور شناعة ذلك الفعل ويستوعب الأزمنة، ويتضمن جميع أنواع الدماء: المحظور كحروب الفساد والفتن والفتك وقتل النفس المحرمة، والواجب كالمجاهدة مع أعداء الدين، قال تعالى: (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة: ١١١]، والمباح كسفح دماء الحيوان المأكول، والمصلحي الديني كأنواع القصاص، والسياسي كحفظ نظام المملكة. قال:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى | حتى يراق على جوانبه الدم |
قوله: (إرادة للرد عليهم) قيل: هو مفعول له، لقوله: "استنبأهم" واعترض قوله: (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) في لفظ "الكشاف" تقريراً لكون الاستنباء على سبيل التبكيت. والوجه أن يكون مفعولاً له للقول المقدر عند قوله: (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) أي: قال ذلك إرادة للرد عليهم. وقوله: "على سبيل التبكيت" متعلق باستنبأهم، ويتم به الكلام، وقوله: "وقد علم عجزهم عن الإنباء" اعتراض أو حال، وقوله: (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) شروع في التفسير.