ويروزوا قواهم في البلاغة، هل تتم للمعارضة أم تتضاءل دونها؟ فيتحققوا عند عجزهم أن ليس فيه مجال للشبهة ولا مدخل للريبة. فإن قلت: فهلا قدّم الظرف على الريب، كما قدّم على الغول في قوله تعالى: (لا فِيها غَوْلٌ) [الصافات: ٤٧]؟ قلت: لأنّ القصد في إيلاء الريب حرف النفي، نفى الريب عنه، وإثبات أنه حق وصدق لا باطل وكذب، كما كان المشركون يدّعونه، ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يبعد عن المراد، وهو أنّ كتابا آخر فيه الريب لا فيه، كما قصد في قوله: (لا فِيها غَوْلٌ) تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل: ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يروزوا)، الجوهري: رزته أروزه، أي: جربته وخبرته.
قوله: (تتضاءل)، النهاية: وفي الحديث: ((أن إسرافيل يتضاءل من خشية الله)، أي: يتصاغر تواضعا له. وتضاءل الشيء: إذا انقبض وانضم بعضه إلى بعض، والضئيل: النحيف.
قوله: (أن ليس فيه مجال)، مفعول ((فيتحققوا))، الجوهري: حققت الأمر وأحققته أيضا: إذا تحققته وصرت منه على يقين.
قوله: (فهلا قدم الظرف)، معنى الفاء أنه حين حقق الجواب أن المنفي كونه متعلقا للريب ومظنة له، فهم أن الكلام في كون القرآن ليس مظنة للريب، لا في الريب، وكان تقديم الظرف أهم.
فأجاب أن الظاهر وإن اقتضي ذلك، لكنه منعه مانع؛ وهو توهم إثبات الريب في غيره من الكتب السماوية، فسلك به مسلكا لا يؤدي إلى ذلك، وحصل المقصود.
قوله: (كما تغتالها هي)، الجوهري: أي: ليس فيها غائلة الصداع.