وعن ابن عباس: «إذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض وتضل الضالة، وتكتفّ الحاجة» فسمى المشارف للقتل والمرض والضلال: قتيلا ومريضاً وضالة.
ومنه قوله تعالى: (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح: ٢٧]، أى صائراً إلى الفجور والكفر. فإن قلت: فهلا قيل هدى للضالين؟ قلت: لأن الضالين فريقان: فريق علم بقاؤهم على الضلالة وهم المطبوع على قلوبهم، وفريق علم أنّ مصيرهم إلى الهدى فلا يكون هدى للفريق الباقين على الضلالة، فبقى أن يكون هدى لهؤلاء، فلو جيء بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل: هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال، فاختصر الكلام بإجرائه على الطريقة التي ذكرنا، فقيل: هدىً للمتقين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن ابن عباس)، الحديث إن صح فهو موقوف على ابن عباس، وهو من رواية أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ومن أراد الحج فليتعجل" وليس فيه الزيادات.
قوله: (ومنه قوله تعالى)، وإنما فصله للفرق؛ لأن الأمثلة السابقة إنما صير إليها لأن الفاعل كان ملابسًا له مجتهدًا فيه، فنزل لذلك منزلة الحاصل، ولا كذلك ها هنا لكن نزل اجتهاد الأب منزلة اجتهاد المولود المعدوم مبالغة في عنادهم.
قوله: (بإجرائه على الطريقة التي ذكرنا)، وهي المجاز باعتبار المآل.