فإن قلت: كيف جاز إلقاء حركتها عليها وهي همزة وصل لا تثبت في درج الكلام؛ فلا تثبت حركتها؛ لأنّ ثبات حركتها كثباتها؟ قلت: هذا ليس بدرج؛ لأنّ (ميم) في حكم الوقف والسكون والهمزة في حكم الثابت، وإنما حذفت تخفيفاً، وألقيت حركتها على الساكن قبلها؛ ليدل عليها، ونظيره قولهم:
واحد اثنان، بإلقاء حركة الهمزة على الدال. فإن قلت: هلا زعمت أنها حركة لالتقاء الساكنين؟
قلت: لأنّ التقاء الساكنين لا يبالى به في باب الوقف؛ وذلك قولك: هذا إبراهيم وداود وإسحاق،
ولو كان التقاء الساكنين في حال الوقف يوجب التحريك لحرك الميمان في ألف لام ميم، لالتقاء الساكنين. ولما انتظر ساكن آخر. فإن قلت: إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين في ميم، لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين، فإذا جاء ساكن ثالث لم يمكن إلا التحريك فحركوا. قلت: الدليل على أن الحركة ليست لملاقاة الساكن: أنه كان يمكنهم أن يقولوا: واحدْ اثنان، بسكون الدال مع طرح الهمزة، فيجمعوا بين ساكنين، كما قالوا: أصيم، ومديق. فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير، وليست لالتقاء الساكنين. فإن قلت:
فما وجه قراءة عمرو بن عبيد بالكسر؟ قلت: هذه القراءة على توهم التحريك لالتقاء الساكنين، وما هي بمقبولة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والابتداء بما بعدها، تفرقة بينها وبين الكلام المستقل المفيد بنفسه، فإذاً القول بنقل الحركة هو المقبول؛ لأن فيه إشعاراً بإبقاء أثر الهمزة المؤذن بالابتداء والوقف، ولا كذلك القول بأن الحركة لالتقاء الساكنين، وإنما خالف ما في "المفصل" لأنه مختصر "كتاب سيبويه"، فهو كالنقل منه، وهذا الكتاب مبني على الاجتهاد، والله أعلم.
قوله: (أصيم ومديق) أصيم: تصغير أصم، مديق: تصغير مدق، وهو ما يدق فيه الشيء، اجتمع في مديق ساكنان أحدهما ياء التصغير، والثاني أول حرف التضعيف، وأما سكون الأخير فللوقف.