وعن سعيد بن جبير: هذا حجاج على من زعم أنّ عيسى كان ربًّا، كأنه نبه بكونه مصورًا في الرحم على أنه عبدٌ كغيره، وكان يخفى عليه ما لا يخفى على اللَّه.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَاوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) ٧].
(مُحْكَماتٌ): أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان رباً)، نقل الإمام عن محمد بن إسحاق: أن من ابتداء السورة إلى آية المباهلة نزلت في النصارى حين قدم وفد نجران.
وقلت: يمكن أن يكون الخطاب عاماً، وإيراد هذا الوصف بين الأوصاف لأن يدمج فيها على سبيل التعريض الاحتجاج على النصارى، وإلى التعريض الإشارة بقوله: نبه بكونه مصوراً في الرحم على أنه عبد كغيره، وتقريره أن يقال: لا شك أن من كان إلهاً يكون عالماً بما في العالم لا يخفى عليه شيء فيه كلياً كان أو جزئياً، وقادراً على كل مقدور، ومنه أنه (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) وأنتم أيها النصارى تزعمون أن عيسى كان رباً؛ لأنه وجد بغير أب، ولكنكم تقرون أنه كان مصوراً في الرحم، فإذاً لا فرق بينه وبين سائر العباد في هذا المعنى، فيلزم أن يكون عبداً كسائر العباد، وإذا كان كذلك لا يكون رباً فيخفى عليه ما لا يخفى على الرب، فقوله: "كغيره": صفة لقوله: عبد، وكذا كان يخفى عليه، صفة أخرى عطف على الصفة.
قوله: (بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه)، قال الزجاج: "المعنى: أحكمت في الإبانة، فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى التأويل"، الراغب: "المحكم قد وصف به القرآن على وجهين،