ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو الذي يدل عليه لفظ (سَتُغْلَبُونَ) بالتاء الفوقانية، الذي نقله صلوات الله عليه في قول الله تعالى.
والحاصل أن القراءة بالتاء الفوقانية تدل على أن الأمر متوجه إلى إيصال معنى اللفظ إلى الكفار، وبالياء تدل على أن الأمر متوجه إلى إيصال اللفظ بعينه.
فإن قلت: كيف جعل المصنف القراءة بالياء التحتانية أصلاً، وبالتاء فرعاً؟ ولم لا يجوز العكس، على أن الواحدي في "الوسيط" لم يفرق بينهما، ونقل عن الفراء أنه يجوز في مثل هذا التاء والياء: لأنك تقول في الكلام: قل لعبد الله: إنه قائم، و: إنك قائم.
قلت: لا ارتياب أن هذا وعيد وتهديد للكفار، وقد علم في غير موضع أن الوعيد والتهديد إذا عدل عن مخاطبة المهدد والموعد ولم يجعل [محلاً] للخطاب بعداً له، كان أبلغ، كقوله تعالى: (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [المائدة: ١١٦] وقوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) [التكوير: ٨]. وأيضاً، في نفس التركيب الأول تأكيد وتقرير ليس في الثاني، لأنه على الحكاية يقتضي أن يقال ابتداء: سيحشرون، ثم يؤمر بأن يحكي اللفظ بعينه اهتماماً به، بخلاف الثاني.
وأما قوله: قل لعبد الله: إنه قائم، فيحتمل وجهين.
أحدهما: الحكاية للتقرير والتأكيد كما سبق.
وثانيهما: أن يراد مؤدى معناه، وهو أنك قائم، والأول آكد وبمقام المبالغة أنسب، فظهر من هذا أن قوله: "سيغلبون ويحشرون" بالياء التحتانية على سبيل الحكاية أبلغ وآكد من الخطاب والمقام له أدعى، فكان جعله أصلاً في الاعتبار أولى.