مفرَّعةً مِن أرومةٍ واحدة فيما يجبُ على بعضِكم لبعض، فحافظُوا عليه، ولا تَغْفُلوا عنه. وهذا المعنى مُطابقٌ لمعاني السُّورة. وقُرئ: (وخالقٌ منها زوجَها. وباثٌّ منهما)، بلفظِ اسمِ الفاعل، وهوَ خبر مبتدأ محذوف تقديرُه: وهو خالقُ (تَساءَلُونَ بِهِ) تتساءلون به، فأُدغمتِ التاءُ في السِّين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واحد"، وكذا الأرومة، بوزن الأكولة: الأصل، وفي حديث عمير بن أفصى: "أنا من العرب في أرومة بيانها".
قوله: (وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة) هذا يوهم أن الوجهين الأولين غير مطابقين، لكن مراده أن دلالته على معنى السورة بالمطابقة من حيث الخصوص؛ وذلك أن السورة مشتملة على ذكر ذوي الأرحام والعصبات كلها، ودلالة الوجهين عليه باللزوم؛ لأن الاتقاء من العقاب يوجب الاجتناب عن جميع المنكرات، ومنها قطع الرحم، والاحتراز عن كفران النعم كلها يوجب الاحتراز عن كفران نعمة الرحم؛ وينصر هذا الوجه الأخير ما رويناه عن مسلم وأحمد والدارمي عن جرير: كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه قوم مجتابي النمار أو العباءة، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة؛ فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام، ثم خطب، فقال: " (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) " الحديث.
النهاية: مجتابي النمار، أي: لابسيها، يقال: اجتبيت القميص والظلام، أي: دخلت فيهما، وكل شيء قطع وسطه فهو مجوب ومجوَّبٌ، وبه سمي جيب القميص، والنمار: جمع نمرة، وهي: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب، كأنها أخذت من لون النمر، وتمعر، أي: تغير.


الصفحة التالية
Icon