ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإلا فقولهم: فاذهب فما بك والأيام من عجب؛ ضرورة شعر لا تحمل عليه لغة القرآن. ومعنى البيت: قد كنت مهجوراً مبعداً، فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا، وليس هذا جزاء الإحسان، ثم عذره وقال: إني أعرف شيمة الزمان، وغدر أبنائه، فاذهب؛ فما بك من عجب ولا بالأيام أيضاً.
وقال الحريري في "درة الغواص": فإن قيل: كيف جاز العطف على المضمرين: المرفوع والمنصوف بغير تكرير، وامتنع العطف على المضمر المجرور إلا بالتكرير؟ فالجواب عنه: أنه لما جاز أن يعطف ذانك الضميران على الاسم الظاهر في مثل قولك: قام زيد وهو، وزرت عمراً وأباك؛ جاز أن يعطف الظاهر عليهما، ولما لم يجز أن يعطف المضمر المجرور على الظاهر إلا بتكرير الجار في مثل قولك: مررت بزيد وبك؛ لم يجز أن يعطف الظاهر على المضمر إلا بتكريره أيضاً، نحو: مررت بك وبزيد، وهذا من لطائف علم العربية، ومحاسن الفروق النحوية.
وقال المالكي في "الشواهد": الجواز أصح من المنع؛ لضعف احتجاج المانعين وصحة استعماله نظماً ونثراً، وشواهدها كثيرة ذكرناها. وأما قراءة حمزة فقد اجتمع عليها: ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والنخعي والأعمش ويحيى بن وثاب وأبو رزين، ومن مؤيدات الجواز: قوله تعالى: (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: ٢١٧]، فجر المسجد بالعطف على الهاء المجرورة بالباء لا بالعطف على (سَبِيلِ)؛ لاستلزامه العطف على الموصول؛ وهو "الصد" قبل تمام صلته؛ لأن (عَنْ سَبِيلِ) صلة له؛ إذ هو متعلق به، و (وَكُفْرٌ) معطوف على "الصد"، وذلك يجوز بالإجماع، فإن عطف على الهاء؛ خلص من ذلك فحكم برجحانه، وأجاز الفراء أن يكون (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ) معطوفاً على (لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) [الحجر: ٢٠].