ومعناه ما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: الرحم متعلقة بالعرش، فإذا أتاها الواصل بشت به وكلمته، وإذا أتاها القاطع احتجبت منه. وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام «تخيروا لنطفكم» فقال: يقول لأولادكم؛ وذلك أن يضع ولده في الحلال، ألم تسمع قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)؟ وأول صلته أن يختار له الموضع الحلال، فلا يقطع رحمه ولا نسبه، فإنما للعاهر الحجر، ثم يختار الصحة، ويجتنب الدعوة، ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من اللَّه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول في وجودهم وخلق قواهم وقدرتهم وسائر خيراتهمـ كذا أيضاً جعل بين ذوي اللحمة بعضهم مع بعض شيئاً أوجب به على الأعلى التوفر على الأدون، وعلى الأدون توقير الأعلى؛ فصار بين الرحم والرحمة مناسبة معنوية، كما أن بينهما نسبة لفظية؛ ولهذا عظم شكر الوالدين فقرنه بشكره في قوله تعالى: (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان: ١٤] تنبيهاً أنهما السبب الأخير في الوجود.
قوله: (أن يختار له الموضع الحلال) هذا كناية عن أن لا يكون هو زانياً؛ لقوله: "فلا يقطع رحمه، فإنما للعاهر الحجر".
النهاية: العاهر: الزاني، وقد عهر يعهر عهراً وعهوراً: إذا أتى امرأة ليلاً للفجور، ثم غلب على الزنى مطلقاً، والمعنى: لا حظ للزاني في الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، أي: لصاحب أم الولد وهو زوجها أو مولاها، وهو كقول الآخر: له التراب، أي: لا شيء له.
قوله: (ثم يختار الصحة ويجتنب الدعوة). النهاية: الدعوة في النسبـ بالكسرـ هو: أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته، وكانوا يفعلونه، فنهي عنه وجعل الولد للفراش. يعني: بعد أن يصون نفسه عن الزنى ينبغي أن يتجنب موضع سوأتي الزانية؛ فإن الزانية ربما تزني فتلد فينسب إليه، لقوله: "الولد للفراش"، فلا يصح نسبه حقيقة فيكون دعياً، فقوله: "يجتنب الدعوة" كناية عن ألا تكون المرأة زانية، والمعنى مأخوذ مما روينا عن البخاري،


الصفحة التالية
Icon