أن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء وولاه السوء وقضاته، ويكفوا عنها أيديهم الخاطفة حتى تأتي اليتامى إذا بلغوا سالمة غير محذوفة؛ وإما أن يراد الكبار؛ تسمية لهم يتامى عل القياس، أو لقرب عهدهم إذا بلغوا بالصغر، كما تسمى الناقة عشراء بعد وضعها، على أن فيه إشارة إلى أن يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ، ولا يمطلوا إن أونس منهم الرشد، وأن يؤتوها قبل أن يؤل عنهم اسم اليتامى والصغار.
وقيل: هي في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال، فمنعه عمه، فترافعا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتصاف: ويقوي الأول قوله بعد آيات: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ) [النساء: ٦]، والآية الأولى لحفظها عليهم، والثانية للإيتاء الحقيقي عند البلوغ والرشد، ويؤيده ما يعقبه: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) [النساء: ٢] تأديباً للوصي ما دام المال في يده، وعلى الوجه الآخر يكون معنى الآيتين واحداً، فالأولى مجملة، والثانية مبينة بالإيناس والبلوغ.
قوله: (أن لا يطمع فيها) أي: المراد من الأمر بالإيتاء رفع الطمع على سبيل الكناية؛ لأن الإيتاء إنما يتأتى إذا بقي المال ولم يهلك، وإنما يسلم من الهلاك إذا لم يتصرف فيه تصرف الملاك، ولا يتصرف في مال الغير إلا الطامع فيه.
قوله: (غير محذوفة) أي: منقوصة، الأساس: فرس محذوف: مقطوع الذنب، وزق محذوف: مقطوع القوائم.
قوله: (على أن فيه إشارة) يعني سموا باليتامى وإن لم يكونوا يتامى مجازاً؛ لاعتبار معنى لطيف وهو أن يؤخر الإيتاء عن البلوغ، ويسمى هذا الفن في الأصول بإشارة النص، وهو أن يساق الكلام لمعنى ويضمن معنى آخر، وإليه الإشارة بقوله: "على أن فيه إشارة".


الصفحة التالية
Icon