جنس ما يقيم به الناس معايشهم، كما قال: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: ٢٩]، (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) [النساء: ٢٥]، الدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله: (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ).
(جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً): أي: تقومون بها وتنتعشون،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا عبارة عن الشيء الذي به يتم قوام أمر الناس، وفيه وجوه معايشهم، فهو على هذا لا يختص به أحد دون أحد. وقال الزجاج: معنى (أَمْوَالَكُمْ): الشيء الذي به قوام أمركم، وإليه الإشارة بقوله: "لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم"، ونحوه قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [النساء: ٢٩]، فليس المراد النهي عن قتل نفسه؛ بل عن قتل غيره، أي: لا تقتلوا ما يقال له: النفس وينسب إليكم، وكذا قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: ٢٥] أي: من جنس ما ملكته أيدي الناس؛ لأن المراد الإذن بالتزوج بأمة الغير وهي ليست مملوكة للمتزوج.
قوله: ((قِيَاماً)) أي: يقومون بها، قال أبو البقاء: (قِيَاماً): مصدر قام، والياء بدل من الواو؛ أبدلت منها لما أعلت في الفعل لكسرة ما قبلها، أي: [التي] جعل الله لكم سبب قيام أبدانكم، أي: بقائها.
وقلت: إنما أضاف الأموال إليهم في قوله: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) [النساء: ٢] ولم يضف إليهم ها هنا مع أن الأموال في الصورتين لهم؛ ليؤذن بترتب الحكم على الوصف فيهما، فإن تسميتهم يتامى هناك وإن لم يكونوا كذلك يناسب قطع الطمع؛ فيفيد المبالغة في رد الأموال إليهم، فاقتضى ذلك أن يقال: (أَمْوَالَهُمْ)، وأما الوصف ها هنا فهو السفاهة؛ فناسب ألا يختصوا بشيء من المالكية؛ لئلا يتورطوا في الأموال، فكذلك لم تضف أموالهم إليهم، وأضيفت إلى الأولياء، وفيه بيان جدوى المال، وأنه تعالى جعله مناطاً للمنافع الدنيوية


الصفحة التالية
Icon