لأنا لا نعلم أحداً أذم لها من خالقها (حُبُّ الشَّهَواتِ) جعل الأعيان التي ذكرها شهوات؛ مبالغة في كونها مشتهاة محروصاً على الاستمتاع بها. والوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات؛ لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها، شاهد على نفسه بالبهيمية، وقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) ثم جاء التفسير؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنها، وقوله تعالى في صفة الجنة: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ) [الزخرف: ٧١] من الصادقة.
قوله: (جعل الأعيان التي ذكرها شهوات) يعني حين أوقع الشهوات مبهماً أولاً ثم بين بالمذكورات، علم أن الأعيان هي عين الشهوات، كأنه قيل: زين حب الشهوات التي هي النساء، فجرد عن النساء شيء يسمى شهوات، وهي نفس الشهوات، نحو: في البيضة عشرون رطلاً حديداً، كأنه قيل: هذه الأشياء خلقت للشهوات وللاستمتاع بها لا غير، لكن المقام يقتضي الذم، ولفظ الشهوة عند العارفين مسترذل، والتمتع بها نصيب البهائم، وهو المراد من قوله: "والوجه أن يقصد تخسيسها".
قوله: (من اتبعها) متعلق بقوله: "مذموم"، مفعول أقيم مقام الفاعل، و"شاهد على نفسه بالبهيمية" بدل من قوله: "مذموم من اتبعها"؛ لأن "شاهد" مستند إلى ضمير من اتبعها.
قوله: (وقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ))، قيل: هذه الجملة مستأنفة، وليست بها؛ لأن الجملة المستأنفة المقرونة بالعاطفة لا تكون إلا معترضة أو مذيلة، وهذه ليست كذلك، بل هي معطوفة على قوله: "جعل الأعيان"، ويكون قوله: "والوجه أن يقصد"، كالإضراب عن قوله: "جعل"، ثم بنى الكلام على الثاني وقال: " (زُيِّنَ) أي: جعل الأعيان نفس الشهوات مبالغة، لا بل قصد تخسيسها، وسماها شهوات"، يعني سماها شهوات ابتداء تخسيساً لها.


الصفحة التالية
Icon