في التصرف والتجارة، أو طرفًا من الرشد ومخيلة من مخايله؛ حتى لا ينتظر به تمام الرشد. فإن قلت: كيف نظم هذا الكلام؟ قلت: ما بعد (حَتَّى) إلى (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) جعل غاية للابتلاء، وهي «حتى» التي تقع بعدها الجمل، كالتي في قوله:
فَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَهَ أشْكَلُ
والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية؛ لأن (إِذَا) متضمنة معنى الشرط، وفعل الشرط (بَلَغُوا النِّكَاحَ) وقوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) جملة من شرط وجزاء واقعة جوابًا للشرط الأول الذي هو (إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)، فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما زالت القتلى) البيت، مج الماء من فيه، أي: رمى به، ومجاج المزن: مطره، والأشكل: بياض وحمرة قد اختلطا، كأنه قيل: قد أشكل عليك لون الماء، أهون الماء أو الدم؟
قوله: (فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى) إلى آخره. الانتصاف: قرر بذلك مذهب أبي حنيفة في سبق الابتلاء، والظاهر خلاف ذلك؛ لأن الغاية مركبة.
قال القاضي: "إن" الشرطية جواب (إِذَا) المتضمنة معنى الشرط، والجملة غاية الابتلاء، فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم؛ بشرط إيناس الرشد منهم، وهو دليل على أنه لا يدفع إليهم ما لم يؤنس منهم الرشد، خلافاً لأبي حنيفة. وعليه ظاهر كلام المصنف؛ ولهذا جيء بقوله: "واستحقاقهم" بالجر عطفاً على قوله: "بلوغهم"؛ فدخل الاستحقاق في غاية الابتلاء.


الصفحة التالية
Icon