طالبٌ زيادة العفة (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم، وذلك أبعد من التخاصم والتجاحد، وأدخل في الأمانة وبراءة الساحة. ألا ترى أنه إذا لم يشهد فادعي عليه صدق مع اليمين عند أبى حنيفة وأصحابه؟ وعند مالك والشافعي لا يصدّق إلا بالبينة، فكان في الإشهاد الاحتراز من توجه الحلف المفضي إلى التهمة أو من وجوب الضمان إذا لم يقم البينة (وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً): أي: كافيا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض، أو محاسبًا؛ فعليكم بالتصادق، وإياكم والتكاذب.
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ٧ ـ ٨].
(الْأَقْرَبُونَ) هم المتوارثون من ذوى القرابات دون غيرهم. (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) بدل (مِمَّا تَرَكَ) بتكرير العامل، و (نَصِيباً مَفْرُوضاً) نصبت على الاختصاص، بمعنى: أعني نصيبًا مفروضًا مقطوعًا واجبًا لا بدّ لهم من أن يحوزوه، ولا يستأثر به. ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد كقوله: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) [النساء: ١١] كأنه قيل: قسمة مفروضة. روى أن أوس بن الصامت الأنصاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا يستاثر به). روي منصوباً ومرفوعاً؛ النصب على أنه عطف على "يحوزوه" أي: لابد من الحوز وعدم اختصاص الطائفة، والرفع على جملة قوله: "ولابد لهم". قال القاضي: في الآية دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه.
قوله: (روي أن أوس بن صامت الأنصاري)، وفي "معالم التنزيل": عن محيي السنة: نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري، وذكر ما ذكره المصنف، ثم قال: فقام رجلان هما ابنا


الصفحة التالية
Icon