من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين، وأن يتصوّروا أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين؛ هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة؟ فإن قلت: ما معنى وقوع (لَوْ تَرَكُوا) وجوابه صلة ل (الذين)؟ قلت: معناه: وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا، وذلك عند
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا)، وقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ) استطراد لذكر قوله: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء: ٦]، وعلى هذا أيضاً هو عطف على قوله: "والمراد بهم الأوصياء"، أي: الآية متصلة بقوله: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) [النساء: ٧]، ويكون المأمور بقوله: (وَلْيَخْشَ) الأوصياء والذين يجلسون، أو متصلة بقوله: (وَإِذَا حَضَرَ) والمأمور به الورثة.
قوله: (معناه وليخش الذين صفتهم وحالهم) يعني: في إيقاع (لَوْ) مع جوابهـ وهو (خَافُوا) ـ صلة للموصول مزيد تقرير للخشية، كأنه قيل: وليخش الذي حقه الخشية، والأصل: وليخش الوصي أو من حضر المريض أو الوارث، فعدل إلى المذكور ليتصور تلك الحالة الصعبة ويستحضرها في نفسه فيرتدع، وإليه الإشارة بقوله: "وأن يتصوروا أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين، هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة؟ " ولو لم يعدل من هذا لفات هذا المطلوب.
قال القاضي: وفي ترتيب الأمر على المذكور إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه، وبعث على الترحم، وتهديد للمخالف.
الانتصاف: إنما أوجب الزمخشري إضمار "شارفوا" في قوله: "وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً" لقوله: (خَافُوا عَلَيْهِمْ)، والخوف يكون قبل تركهم إياهم، وإلا كان يلزم تقديم الجواب على الشرط، وهو كقوله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ) [الطلاق: ٢] أي: شارفنه، وفائدته التخويف بالحالة التي لا مطمع معها في الحياة ولا الذب عن الذرية الضعاف.


الصفحة التالية
Icon