في الوجوب، ثم أكد ذلك ورغب فيه بقوله: (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) أي: لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون، أمّن أوصى منهم أمّن لم يوص؟ يعنى: أن من أوصى ببعض ماله فعرّضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعًا وأحضرُ جدوى ممن ترك الوصية، فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا؛ ذهابًا إلى حقيقة الأمر؛ لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلًا قريباً في الصورة، إلا أنه فانٍ، فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى، وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باقٍ، فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى.
وقيل: إن الابن إن كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: إن الابن) قيل: هو معطوف من حيث المعنى على قوله: (لا تَدْرُونَ)، والتحقيق أن يقال: هو عطف على "قيل" مقدراً هناك، وقيل: الأصح أنه معطوف على قوله: "ثم أكد ذلك ورغب فيه". وقلت: الظاهر أنه عطف على جملة قوله: "يعني أن من أوصى ببعض ماله" إلى آخره؛ لأن المراد بالنفع في قوله: (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) على هذا ثواب الآخرة مطلقاً، وعلى الثاني: النفع مختص بالشفاعة، وعلى الوجه الآتي، وهو قيل: فرض الله النفع مختص بالدنيا بوضع الأموال في مواقعها.
وأما قوله: "وقيل: الأب تجب" عطف على الوجه الثالث، وتنزيله منه تنزيل الوجه الثاني على الأول فليتدبر. وأما قضية التأكيد فهي أن تجعل الجملة معترضة، والمعترضة تؤكد معنى الكلام السابق، والسابق في أمر الوصية، لا في الرفع إلى الجنة، ولا في النفقة؛ ومن ثم قال: "وليس شيء من الأقاويل بملائم للمعنى ولا مجاوب له". قال القاضي: هو اعتراض لأمر القسمة، وذلك أن قوله: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) وقوله: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) كلام في حق المتوالدين، أي: لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم؛ فتحروا فيهم ما وصاكم الله به، ولا تعمدوا


الصفحة التالية
Icon