فإن قلت: (تَعْضُلُوهُنَّ)، ما وجه إعرابه؟ قلت: النصب عطفا على (أَن تَرِثُوا). و (لَا) لتأكيد النفي، أي: لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساءَ ولا أن تعضلوهن. فإن قلتَ: أي فرق بين تعدية ذهب بالباء، وبينها بالهمزة؟ قلت: إذا عدي بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب، كقوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) [يوسف: ٥] وأما الإذهاب: فكالإزالة. فإن قلت: (إِلَّا أَنْ يَاتِينَ) [النساء: ١٩] ما هذا الاستثناء؟ قلت: هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له، كأنه قيل: ولا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة، أو: ولا تعضلوهنّ لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة.
فإن قلت: من أي وجه صح قوله: (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا) جزاء للشرط؟ قلت: من حيث أنّ المعنى: فإن كرهتموهن فاصبروا عليهنَّ مع الكراهة، فلعل لكم فيما تكرهونه خيراً كثيراً ليس فيما تحبونه.
فإن قلت كيف استثني (مَا قَدْ سَلَفَ) مما نكح آباؤكم؟ قلت: كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قوله:....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المضارع إذا وقع حالاً، وإن خالف المفصل. قال فخر المشايخ: وقد جاء مع الواو، كقوله تعالى: (أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) [البقرة: ٤٤] فإن قيل: لم لا يجوز: وأنتم تنسون أنفسكم؛ فتكون الجملة اسمية؟ يقال: لا يستقيم هذا المعنى فيما نحن بصدده إلا على التعسف، بأني قال: أصله: والله يجعل فيه خيراً، ثم حذف المبتدأ وأظهر الفاعل في "يجعل".
قوله: (فمعناه: الأخذ والاستصحاب): قال الحريري في "درة الغواص": اختلف النحويون هل بين حرفي التعدية فرق أم لا؟ فقال: الأكثرون هما بمعنى واحد، وقال أبو العباس المبرد: بل بينهما فرق، وهو أنك إذا قلت: أخرجت زيداً، كان بمعنى: حملته على الخروج، وإذا قلت: خرجت به، فمعناه: أنك خرجت واستصحبته معك؛ والقول الأول أصح بدلالة قوله تعالى: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة: ١٧]، وقد مر الكلام فيه في البقرة.