(وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ)؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يتعلق بهن وبالربائب غير مبهمتين جميعاً؛ وإما أن يتعلق بهن دون الربائب فيكون حرمتهن غير مبهمة، وحرمة الربائب مبهمة، فلا يجوز الأوّل؛ لأن معنى «من» مع أحد المتعلقين، خلاف معناه مع الآخر؛ ألا تراك أنك إذا قلت: وأمّهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ فقد جعلت «من» لبيان النساء، وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ.
وإذا قلت "وربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ" فإنك جاعل «من» لابتداء الغاية، كما تقول: بنات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خديجة، وليس بصحيح أن يعنى بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان! ولا يجوز الثاني؛ لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به، ما لم يعترض أمر لا يرد، إلا أن تقول: أُعلِّقه بالنساء والربائب، وأجعل «من» للاتصال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إما أن يتعلق) لم يرد به تعلق المعمول بالعامل؛ بل أراد به التقييد، يشهد له قوله: "غير مبهمتين" أي: مطلقتين. الإبهام: الإطلاق والإرسال، أي: غير مقيدتين بالدخول، وهذا مذهب بعض الصحابة وقراءتهم كما سيأتي.
قوله: (فإنك جاعل "من" لابتداء الغاية) قيل: هذا على خلاف ما في "المفصل": أن معنى الكل راجع إلى ابتداء الغاية، ويندفع بأن "من" الابتدائية مجردة لها، وغيرها متضمنة لها، مع ما يختص به. وقلت: "من" البيانية تقتضي اتحاد الثاني بالأول، والابتدائية توجب إنشاء الأول من الثاني فبينهما تناف.
قوله: (ما لم يعترض أمر) أي: الأصل أن يعلق بالأقرب، إلا أن يعترض صارف قوي لا يرد، وهذا مبني على أن المعطوفات المستعقبات للقيد هل يتعلق ذلك القيد بالأخير أم بالمجموع؟ ففيه الخلاف المشهور.
قوله: (إلا أن تقول: أعلقه بالنساء والربائب) الاستثناء منقطع، ولابد فيه من تقدير