أو لكونهن بصدد احتضانكم، وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمّهاتهن، وتمكن بدخولكم حكم الزواج وثبتت الخلطة والألفة، وجعل اللَّه بينكم المودة والرحمة، وكانت الحال خليقة بأن تجروا
أولادهن مجرى أولادكم، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم.
وعن علي رضي اللَّه عنه: أنه شرط ذلك في التحريم، وبه أخذ داود. فإن قلت: ما معنى (دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)؟ قلت: هي كنايةٌ عن الجماع، كقولهم: بنى عليها وضرب عليها الحجاب، يعنى أدخلتموهن الستر، والباء للتعدية واللمس. ونحوه يقوم مقام الدخول عند أبي حنيفة. وعن عمر رضي اللَّه عنه: أنه خلا بجارية فجردها، فاستوهبها ابن له فقال: إنها لا تحلّ لك. وعن مسروقٍ أنه أمر أن تباع جاريته بعد موته، وقال: أما إني لم أصِبْ منها إلا ما يُحَرِّمها على ولدي من اللمس والنظر. وعن الحسن في الرجل يملك الأمة فيغمزها لشهوة أو يقبلها أو يكشفها: أنها لا تحل لولده بحال وعن عطاء وحماد بن أبي سليمان: إذا نظر إلى فرج امرأةٍ فلا ينكح أمّها ولا بنتها. وعن الأوزاعي: إذا دخل بالأم فعرّاها ولمسها بيده وأغلق الباب وأرخى الستر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عما عداها؛ لأن شرط تلك الدلالة أن يكون لذكر الصفة فائدة أخرى سوى التخصيص. وذهب علي رضي الله عنه على أنه شرط، وهو الوجه الثاني في الجواب.
قوله: (أو لكونهن بصدد احتضانكم) مبني على قوله: "وإن لم يربهما"، وقوله: "كأنكم في العقد" خبر "وأنهن"، واستغنى عن العائد إلى اسم "إن" بقوله: "على بناتهن"؛ لأنه في معنى عليهن، أيك على الربائب، فأقيم المظهر مقام المضمر، وقوله: "لاحتضانكم" إلى آخره تعليل مقدم لكون هذا العقد كالعقد على البنات، و"إذا دخلتم" ظرف "لاحتضانكم".
قوله: (وعن علي رضي الله عنه أنه شرط ذلك) عطف على قوله: "فائدة التعليل"، أي: فائدته أنه لابد من الحضانة لتحرم، وإلا لم تحرم.


الصفحة التالية
Icon