ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالكلام الأول نفيه ولا إثباته.
فإن قلت: لم فرق المصنف بين هذا الاستثناء حيث جعله منقطعاً وبين ما سبق حيث جعله من باب "ولا عيب فيهم"؟
قلت: لاقتضاء المقام، والفرق بين نكاح الأمهات، والجمع بين الأختين، واستدعاء كل من التعليلين؛ أعني قوله: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) [النساء: ٢٢] وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء: ٢٣] ما يقتضيه من المعنى؛ فإن التعليل بالغفران والرحمة يستدعي كلاماً متضمناً للذنب والخطأ؛ ولذلك قال: "ما مضى مغفور، بدليل قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) "، كأنه قيل: حرم عليكم الجمع بين الأختين؛ لأنه خطأ وذنب، ومن يفعل ذلك يؤاخذ به، لكن ما قد سلف فإنه مغفور غير مؤاخذ به؛ لأن الله تعالى كان غفوراً رحيماً. والتعليل بالفاحشة والمقت وسوء السبيل يوجب تأويل الكلام السابق بما ينبئ عن المبالغة في القبح والفحش، وأن المنهي عنه مما ينبغي ألا يوجد أصلاً، وأنه مناف لحال المؤمنين وأصحاب المروءة وأرباب التمييز، وذلك لا يتم إلا بجعل التركيب من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح، وإليه الإشارة بقوله: "والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته"، ويؤيده ما روينا عن الترمذي وأبي داود وابن ماجة والدارمي والنسائي، عن البراء قال: بيناأنا أطوف يوماً على إبل ضلت بي، رأيت فوارس معهم لواء دخلوا بيت رجل من العرب فضربوا عنقه، فسألت عن ذنبه فقالوا: عرس بامرأة أبيه وهو يقرأ سورة النساء: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) [النساء: ٢٢]. وما قاله القاضي: (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) استثناء من معنى اللازم للنهي،