ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (قَائِماً بِالْقِسْطِ) على العدل، وأن قوله: (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صفتان مقررتان لهما، وأن قوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) جملة مؤكدة لما سبق، ومعناه معناه، فلزم على هذا أن يكون الدين عند الله دين من يقول بالعدل والتوحيد، ويلزم من المفهوم أن دين مخالفيهم لا يكون من الدين في شيء.
وقلت: إنما نشأت هذه الجسارة من تأويله قوله: (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بما اشتهاه، فإنه فسر العزيز بقوله: "الذي لا يغالبه إله آخر" ليدل على التوحيد، وحمل الحكيم على: "الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله" ليدل على العدل، فتكونان صفتين مقررتين لما سبق، فهلا حملهما على ما تقتضيه اللغة والمقام لينظر: هل يكون دين الإسلام سوى مذهب السنة والجماعة؟ وذلك أنه تعالى لما ذكر التوحيد والتعديل، وأردفهما على وجه التكميل والتوكيد معنى العزة والحكمة، ليدل قوله: (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) على التوحيد الصرف، و (قَائِماً بِالْقِسْطِ) على أنه تعالى يجري الأمور كلها على الاستقامة والسداد، وقوله: (الْعَزِيزُ) على أنه هو القوي القادر على كل شيء، الغالب الذي لا يغلبه شيء، فيفيد معنى أنه يفعل ما يشاء فلا يتصرف في ملكه أحد، وقوله: (الْحَكِيمِ) على أنه هو المحكم لخلق العالم، العالم بلطفه غوامض العلوم التي تخفى على الغير فلا يقف على أسرار حكمته أحد، جاء بقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ـ كما قالـ مؤكداً لما سبق ليؤذن أن الإسلام هو مذهب أهلا لسنة والجماعة حقيقة، والأسلوب واللغة يساعدان هذا التقرير.
أما الأسلوب فإنه كرر قوله: (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) ليناط به ما لم ينط به أولاً، وهو معنى (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فلو حمل الوصفان على ما يدل على الزيادة مع التأكيد، من غير تعسف وتأويل بعيد، كان أولى مما حملا على مجرد التأكيد على أن المقام مع الأول كما سبق.


الصفحة التالية
Icon