كما طمعت المجبرة والحشوية. (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، كما غرت أولئك شفاعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في كبائرهم. (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) فكيف يصنعون؟ فكيف تكون حالهم؟ وهو استعظام لما أعدّ لهم وتهويل لهم، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم في دفعه والمخلص منه، وأن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل، وتطمع بما لا يكون، وروي: أنّ أوّل راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود، فيفضحهم اللَّه على رؤوس الأشهاد، ثم يأمر بهم إلى النار (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يرجع إلى كل نفس على المعنى؛ لأنه في معنى كل الناس كما تقول: ثلاثة أنفس، تريد ثلاثة أناسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما طمعت المجبرة والحشوية) تعصب بارد، وقياس من غير جامع؛ لأن الذي وقع فيه الكلام هو الإعراض عما يحكم به كتاب الله لأجل تمسكهم بما ليس في كتاب الله من افترائهم على الله من تلقاء أنفسهم، وأهل الحق لا يعدلون عن دليل النص من الكتاب والسنة حين يدعون إليه إلى آرائهم كمخالفيهم، فلا يدخلون تحت هذا الحكم.
قوله: (فكيف تكون حالهم؟ )، قال الزجاج: وهذا الحذف جار في الكلام، تقول: أنا أكرمك وأنت لم تزرني، فكيف إذا زرتني! أي: فكيف يكون إكرامي إياك إذا زرتني.
قوله: ((وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يرجع إلى كل نفس)، يعني: ذكر الضمير وجمعه باعتبار معنى النفس، كما اعتبر في قولهم: ثلاثة أنفس بتأويل الأناسي؛ لأن الظاهر ثلاث أنفس، ومثله ما ذكره في البقرة في قوله: (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) إلى قوله (وَلا هُمْ يُنصَرُونَ) [البقرة: ٤٨] يعني: ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة، والتذكير بمعنى العباد والأناسي، كما تقول: ثلاثة أنفس. فقوله: (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) توكيد لمعنى قوله: (وَوُفِّيَتْ