ويقول: هذا ممن أغويه، ونحوه من التخييل قول ابن الرومي:
لِمَا تُؤْذِنُ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ صُرُوفِهَا يَكُونُ بُكَاءُ الطِّفْلِ سَاعَةَ يُولَدُ
وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو؛ فكلا! ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً مما يبلونا به من نخسه (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) فرضي بها في النذر مكان الذكر. (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) فيه وجهان: أحدهما أن يكون القبول اسم ما تقبل به الشيء كالسعوط واللدود، لما يسعط به ويلد،....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لما تؤذن الدنيا) البيت بعده:

وإلا فما يبكيه منها وإنها لأوسع مما كان فيه وأرغد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه بما سوف يلقى من أذاها يهدد
تؤذن، أي: تعلم، آذنني: أعلمني، يقول: بكاء الطفل ساعة الولادة لما يعلم أن الدنيا موضع المحن ومقر الفتن، وإلا فما يبكيه والحال أنه قد نجا من ضيق البطن والرحم وانتقل إلى موضع هو أفسح وأرغد منه؟
قوله: ((فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا): فرضي بها) فسر القبول بالرضى.
الجوهري: تقبلت الشيء وقبلته قبولاً، بفتح القاف، وهو مصدر شاذ، والمعنى: فتقبلها بوجه حسن، وذلك أن من يهدي إلى أحد شيئاً يرجو منه قبول هديته بوجه حسن، فشبه النذر بالإهداء ورضوان الله عنها بالقبول، والقبول الحسن على هذا: اختصاص الله لها بإقامتها مقام الذكر؛ على ما سبق أن التحرير لم يكن إلا للغلمان.
قوله: (واللدود). النهاية: اللدود، بالفتح، هو: ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم، ولديدا الفم: جانباه.


الصفحة التالية
Icon