(ذلِكُمْ فِسْقٌ): الإشارة إلى الاستقسام، أو إلى تناول ما حرّم عليهم؛ لأنّ المعنى: حرّم عليكم تناول الميتة وكذا وكذا.
فإن قلت: لم كان استقسام المسافر وغيره يالأزلام- لتعرف الحال- فسقاً؟ قلت: لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوم وقال: (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: ٦٥] واعتقاد أنّ إليه طريقاً وإلى استنباطه. وقوله: أمرني ربي، ونهاني ربي، افتراءٌ على اللَّه، وما يدريه أنه أمره أو نهاه؟ ! والكهنة والمنجمون بهذه المثابة. وإن كان أراد بالرب الصنم، فقد روي أنهم كانوا يجيلونها عند أصنامهم، فأمره ظاهر.
(الْيَوْمَ) لم يرد به يوماً بعينه، وإنما أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية، كقولك: كنت بالأمس شاباً، وأنت اليوم أشيبُ، فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك، ولا بـ"اليوم" يومك، ونحوه «الآن» في قوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والكهنة والمنجمون بهذه المثابة). قال الزجاج: لا فرق بين ذلك وبين المنجمين، فلا يقال: لا أخرج من أجل نجم كذا، وأخرج من أجل طلوع نجم كذا، لأنه دخول في علم الله تعالى الذي هو غيب، وهو حرام كالأزلام، والاستقسام بالأزلام فسق، والفسق: اسم لكل ما أعلم الله عز وجل أنه مخرج عن الحلال إلى الحرام، نقل الشيخ محي الدين النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" عن القاضي: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب، أحدها: أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا


الصفحة التالية
Icon