روي أنهم لبثوا أربعين سنة في ستةً فراسخ يسيرون كل يوم جادين، حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه، وكان الغمام يظللهم من حرّ الشمس، ويطلع لهم عمود من نورٍ بالليل يضيء لهم، وينزل عليهم المنّ والسلوى، ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله.
فإن قلت: فلم كان ينعم عليهم بتظليل الغمام وغيره وهم معاقبون؟ قلت: كما ينزل بعض النوازل على العصاة عركاً لهم، وعليهم مع ذلك النعمة متظاهرة.
ومثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف، ولا يقطع عنه معروفه وإحسانه.
فإن قلت: هل كان معهم في التيه موسى وهرون عليهما السلام؟ قلت: اختلف في ذلك، فقيل لم يكونا معهم لأنه كان عقاباً، وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم. وقيل: كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحاً لهما وسلاماً، لا عقوبةً، كالنار....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بـ ﴿يَتِيهُونَ﴾، قيل: عذبهم الله عز وجل بأن مكثوا في التيه أربعين سنة سيارة لا يقر بهم القرار، إلى أن مات البالغون الذين عصوا الله، ونشأ الصغار وولد من لم يدخل في جملتهم في المعصية.
قوله: (ثوب كالظفر). النهاية: وفي الحديث: "كان لباس آدم عليه الصلاة والسلام الظفر"، أي: شيء يشبه الظفر في بياضه وصفائه وكثافته.
قوله: (عركاً لهم) من قولهم: عرك أذنيه، تأديباً.
قوله: (ويثقب) أي: يتقدم ويستوي.