فإن قلت: النهي في قوله (فَلا يَكُنْ) متوجه إلى الحرج فما وجهه؟ قلت: هو من قولهم: لا أرينك هاهنا.
[(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)].
(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن والسنة، (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ): من دون الله (أَوْلِياءَ) أي: ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والإنس، فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو ذكرى للمؤمنين، وبشارة لهم، فيكون كل من الوصفين مستقلين بنفسهما، والتركيبان مستبدين برأسهما. وهذا يؤيد الوجه الثاني في تفسير الحرج، فيكون من إرادة التبليغ والتحدي، فتكون الآية على وزان قوله تعالى: (فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) إلى قوله: (فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا ولَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) إلى قوله: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة: ٢٣ - ٢٥] كما سبق تقريره في موضعه.
قوله: (هو من قولهم: لا أرينك هاهنا). أي: هو من الكناية، ظاهره يقتضي أن المتكلم ينهي نفسه عن أن يرى المخاطب هناك، والمراد نهي المخاطب، أي: لا تكن هاهنا حتى لا أراك فيه، فإن كينونتك هاهنا مستلزمة لرؤيتي إياك.
المعنى: أن الحرج لو كان مما ينهي لنهيناه عنك، فانته عنه بترك التعرض له.
قوله: ((اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم) من القرآن والسنة). أمر الله سبحانه وتعالى الأمة بمتابعة جميع ما أنزل إليهم، بعدما نهى حبيبه عن ضيق الصدر، بتبليغ ما أوحي إليه، ليكون أدعى لانشراح الصدر.