(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ): على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم (بِعِلْمٍ): عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم وعما وجد منهم.
فإن قلت: فإذا كان عالماً بذلك وكان يقصه عليهم، فما معنى سؤالهم؟ قلت: معناه التوبيخ والتقريع والتقرير إذا فاهوا به بألسنتهم وشهد عليهم أنبياؤهم.
[(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ)].
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) يعني وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها، ورفعه على الابتداء، وخبره: (يَوْمَئِذٍ)، و (الْحَقُّ) صفته، أي: والوزن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحق، أي: العدل. وقرئ: "القسط".
واختلف في كيفية الوزن فقيل: توزن صحف الأعمال بميزانٍ له لسانٌ وكفتان، تنظر إليه الخلائق، تأكيداً للحجة، وإظهاراً للنصفة، وقطعاً للمعارة، كما يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم، وتشهد بها عليهم أيديهم وأرجلهم وجلودهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا الفاء في (فلنقصن)، وذلك أنه لما سأل المرسلين عما أجيبوا به، والمرسل إليهم عما أجابوا به رسلهم، وكل منهم أجابوا بما له وعليه إجمالاً، فيقص الله تعالى تفصيل ما أقروا به مجملاً بالنقير والقطمير لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وإليه أشار بقوله: (بعلم)، ثم تتميمه بقوله: (ومَا كُنَّا غَائِبِينَ)، فيكون أدخل في التقريع والتوبيخ.
قوله: (إذا فاهوا): متعلق بقوله: "والتقرير". يعني: تكلموا بألسنتهم، فكان تقريراً لاستحقاق الوعيد.


الصفحة التالية
Icon