فإن قلت: لم سأله عن المانع من السجود، وقد علم ما منعه؟ قلت: للتوبيخ، ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وازدرائه بأصل آدم، وأنه خالف أمر ربه معتقداً أنه غير واجب عليه، لما رأى أنّ سجود الفاضل للمفضول خارجٌ من الصواب.
فإن قلت: كيف يكون قوله: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) جواباً لـ (ما منعك)، وإنما الجواب أن يقول: منعني كذا؟ قلت: قد استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم، وبعلة فضله عليه، وهو أنّ أصله من نارٍ، وأصل آدم من طين، فعلم منه الجواب وزيادة عليه، وهي إنكار للأمر واستبعادٌ أن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله، كأنه يقول: من كان على هذه الصفة كان مستبعداً أن يؤمر بما أُمر به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأنه خالف أمر ربه): عطف تفسيري على قوله: "معاندته وكفره". وقال الزجاج: "كل من خالف الله في أمره، ولم يره واجباً عليه، فهو كافر بالإجماع".
قوله: (كيف يكون [قوله: ] (أنا خير منه) جواباً؟ ): قال الزجاج: "موضع (ما) في قوله تعالى: (ما منعك) رفع. المعنى: أي شيءٍ منعك من السجود؟ والجواب: منعني كذا وكذا. لكن أتى بشيءٍ في معنى الجواب، ولفظه غير جواب، لأن قوله: (أنا خير منه) إنما هو جواب أيكما خير؟ المعنى: منعني من السجود فضلي عليه".
وقلت: فالجواب من الأسلوب الأحمق، كقول نمروذ: (أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ) [البقرة: ٢٥٨].
قال القاضي: "قد غلط إبليس فيما قال، لأنه رأي الفضل كله باعتبار العنصر، وغفل عما يكون باعتبار الفاعل، قال: (مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥]، وباعتبار الصورة،