وإنما أقسم بالإغواء، لأنه كان تكليفاً، والتكليف من أحسن أفعال الله، لكونه تعريضاً لسعادة الأبد، فكان جديراً بأن يقسم به.
ومن تكاذيب المجبرة ما حكوه عن طاووس: "أنه كان في المسجد الحرام، فجاء رجلٌ من كبار الفقهاء يرمى بالقدر، فجلس إليه فقال له طاووس: تقوم أو تقام؟ فقام الرجل، فقيل له: أتقول هذا لرجلٍ فقيه؟ فقال: إبليس أفقه منه، قال: (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَني) [الحجر: ٣٩]، وهذا يقول: أنا أغوى نفسي"، وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى الله سبحانه، أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين.
وقيل: (ما) للاستفهام، كأنه قيل: بأي: شيءٍ أغويتني، ثم ابتدئ: (لأقعدنّ)، وإثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على «ما» الاستفهامية: قليلٌ شاذ.
وأصل الغيّ: الفساد. ومنه: غوى الفصيل؛ إذا بشم، والبشم: فسادٌ في المعدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنما أقسم بالإغواء؛ لأنه كان تكليفاً) خلاصته: أنه إقسام بفعل الله. وللفقهاء فيه خلاف ذكرناه في سورة "الحجر".
قوله: (يرمي بالقدر)، أي: بالاعتزال. وقوله هذا حكاية عن لسان أهل السنة، لأنه لا يسمى أصحابه قدرية، فكيف وقد سمى أهل السنة بالقدرية في "حم" السجدة؟ ويعيد هذا في قوله: (وإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً) [الأعراف: ٢٨].
قوله: (وأصل الغي: الفساد)، الراغب: "الغي: جهل من اعتقادٍ فاسد، وذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقدٍ اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً، وقد يكون من اعتقاد شيءٍ فاسد. وهذا الثاني يقال له: الغي. قال تعالى: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ومَا غَوَى) [النجم: ٢]. وقال تعالى: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًا) [مريم: ٥٩] أي: أثر الغي. وقوله: (وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) [طه: ١٢١] أي: خاب. قال:


الصفحة التالية
Icon