(وَقاسَمَهُما): وأقسم لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
فإن قلت: المقاسمة: أن تقسم لصاحبك ويقسم لك، تقول: قاسمت فلاناً: حالفته، وتقاسما: تحالفا. ومنه قوله تعالى: (تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ) [النمل: ٤٩]؟. قلت: كأنه قال لهما: أقسم لكما إني لمن الناصحين، وقالا له: أتقسم بالله إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمةً بينهم. أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها، أو أُخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كأنه قال لهما: أقسم لكما إني لمن الناصحين. وقالا له: أتقسم بالله إنك لمن الناصحين؟ )، جعل تقريرهما بقسم إبليس بمنزلة قسمهما، فإن الهمزة في: "أتقسم بالله" للتقرير.
قال صاحب "الانتصاف": "فيكون في الكلام لف، لأن آدم وحواء لا يقسمان بلفظ المتكلم، بل بلفظ الخطاب".
وقلت: كلام المصنف إلى التغليب أقرب.
قوله: (أو أقسم لهما بالنصيحة، وأقسما له بقبولها)، الانتصاف: "إنما يتم هذا لو لم يذكر المقسم عليه، أما إذا ذكره، فلا يتم إلا بأن يسمى قبول النصح نصحاً، للمقابلة، كما قرئ: (ووعدنا موسى) [الأعراف: ١٤٢]، جعل التزامه بالوعد وحضوره: وعداً، وكلامه من أوله إلى آخره مدخول، لأن الكلام لما دل على القسم من الطرفين، فيجب تقدير المقسم والمقسم عليه بغير المذكور".