فإن قلت: لم علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين، وعلق الأذان بالناس؟ قلت: لأنّ البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم، وأمّا الأذان فعام لجميع الناس؛ من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث.
(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يوم عرفة، وقيل: يوم النحر؛ لأنّ فيه تمام الحج ومعظم أفعاله؛ من الطواف، والنحر، والحلق، والرمي. وعن على رضي الله عنه: أن رجلا أخذ بلجام دابته، فقال: ما الحج الأكبر؟ قال: يومك هذا، خل عن دابتي!
وعن ابن عمر رضي الله عنه: أنّ رسول الله ﷺ وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع، فقال: "هذا يوم الحج الأكبر".
ووصف الحج بالأكبر؛ لأنّ العمرة تسمى الحج الأصغر، أو جعل الوقوف بعرفة هو الحج الأكبر؛ لأنه معظم واجباته؛ لأنه إذا فات فات الحج، وكذلك إن أريد به يوم النحر؛ لأن ما يفعل فيه معظم أفعال الحج فهو الحج الأكبر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...
النَّاسِ) إخبارٌ منه تعالى لأولئك المخاطبين واجب التبليغ إلى كافة الناس في ذلك اليوم المخصوص، بما ثبت في حكم الله تعالى من تلك لبراءة.
فقوله: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) إجمال لتفصيل ما أخبر أولاً من قوله: (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ)، إلى قوله: (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)، المشتمل على التهديد والوعيد، بقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) [التوبة ١ - ٢]، ومن ثم رتب عليه قوله: (فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، فالكلام مُدمج بعضه في بعض، الثاني مقرر للأول متضمن لمعنى زائد عليه.
قوله: (أو جُعل الوقوف بعرفة هو الحج الأكبر): عطف معنوي على قوله: "لأن العمرة"، كأنه قال: إنما سُمي مجموع الأركان بالحج الأكبر، لأن العمرة حج أصغر، أو سُمي بعض


الصفحة التالية
Icon