ومعناه: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين، فقولوا لهم سيحوا، إلا الذين عاهدتم منهم، ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم والاستثناء بمعنى الاستدراك، وكأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين، ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم، ولا تجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفي كالغادر.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعنى: أنّ قضية التقوى أن لا يسوّى بين القبيلين، فاتقوا الله في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلافه إذا جُعل مستثنى من (الْمُشْرِكِينَ)، اللهم إلا أن يُذهب إلى التأويل المذكور، وفيه تعسف كما قررناه، ولهذا قال: "وجهه أن يكون مستثنى من قوله: (فَسِيحُوا) ".
وأيضاً على هذا يحسن عطف قوله: (وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ) الآية، على جملة (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ)؛ ليؤذن بالتبري الكلي من المشركين، وأن هؤلاء المعاهدين قد استدرك منهم ضرورة، وغلا فالحق أن لا يستدرك أحد منهم، ولا يحسن هذا على المتصل.
قال في "الانتصاف": "ويجوز أن يكون (فَسِيحُوا) خطاباً من الله، ولا يُضمر قبله: "قولوا"، ويكون الاستثناء من قوله: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ)، أي: براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين، إلا الباقين على العهد، ويكون فيه خروج عن خطاب المسلمين في (عَاهَدْتُمْ) إلى خطاب المشركين في (فَسِيحُوا)، والتفات بقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ)، وقياسه: غير معجزي وأني مخزي الكافرين. وفيه افتنان وتفخيم للشأن، ثم يعود إلى الخطاب للمؤمنين في قوله: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً) ".
قوله: (أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلين): يريد أن قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ


الصفحة التالية
Icon