(وشاهِدِينَ) حال من الواو في (يَعْمُرُوا)، والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة متعبدات الله، مع الكفر بالله وبعبادته، ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر: ظهور كفرهم، وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت، وكانوا يطوفون عراة ويقولون: لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي، وكلما طافوا بها شوطاً سجدوا لها. وقيل: هو قولهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك.
وقيل: قد أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر، فعيروهم بالشرك، فطفق علىّ ابن أبى طالب يوبخ العباس بقتال رسول الله ﷺ وقطيعة الرحم، وأغلظ له في القول، فقال العباس: تذكرون مساوئنا، وتكتمون محاسننا! فقال: أولكم محاسن؟ قالوا: نعم، ونحن أفضل منكم أجراً، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فنزلت.
(حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي هي العمارة والحجابة والسقاية وفك العناة، وإذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال الثابتة الصحيحة إذا تعقبها، فما ظنك بالمقارن، وإلى ذلك أشار في قوله شاهِدِينَ حيث جعله حالا عنهم، ودل على أنهم قارنون بين العمارة والشهادة بالكفر على أنفسهم في حال واحدة، وذلك محال غير مستقيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
وهو المسجد الحرام، فإذا قيل: أن يعمروا مسجد الله، لم يكن من الكناية في شيء، فلا يدل على المبالغة، بخلافه لو قيل: مساجد الله.
وأما في آخر البقرة فكان المقتضى الجمع ليناسب (وَمَلائِكَتِهِ) (وَرُسُلِهِ) [البقرة: ٢٨٥]، فعدل إلى الإفراد للمبالغة أيضاً.
قوله: (أو الكبيرة الأعمال الثابتة الصحيحة): مذهبه، والآية لا دلالة لها عليه، قال في "الانتصاف": "أصاب في حديث الكفر، وأخطأ في الكبيرة، فهو على قاعدته"، أي: مُعتَقَدِه.