قلت: معناه: أنّ المضرور لا يزال داعياً لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر، فهو يدعونا في حالاته كلها؛ إن كان منبطحاً عاجز النهض متخاذل النوء، أو كان قاعداً لا يقدر على القيام، أو كان قائماً لا يطيق المشي والمضطرب إلى أن يخف كل الخفة، ويرزق الصحة بكمالها والمسحة بتمامها.
ويجوز أن يراد: أن من المضرورين من هو أشدّ حالا وهو صاحب الفراش، ومنهم من هو أخف وهو القادر على القعود، ومنهم المستطيع للقيام، وكلهم لا يستغنون عن الدعاء واستدفاع البلاء، لأنّ الإنسان للجنس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران: ١٩١]: ففي شأن الخاصة الذين يبذلون جهدهم في خدمة بارئهم، ويستغرقون أوقاتهم في طاعته، فإذا قدروا على القيام في أداء العبادة لا يقعدون ولا يذكرون مضطجعين إلا عند الاضطرار، فتلك الآية في شأن الإنسان الضجور، وهذه في شأن المؤمن الصبور.
قوله: (منبطحاً)، الجوهري: "بطحه: ألقاه على وجهه، فانبطح".
قوله: (متخاذل النوء)، الجوهري: "ناء ينوء: نهض بجهد ومشقة"، الأساس: "ونؤت بالحمل: نهضت به: وفلان نوؤه متخاذل: إذا كان ضعيف النهض".
قوله: (والمسحة بتمامها)، الأساس: "يقال: من الله عليك بالمسحة، وأذاقك حلاوة الصحة، وبه مسحة من جمال، ومسح الله ما بك".
قوله: (ويجوز أن يُراد أن من المضرورين): عطف على قوله: "أن المضرور لا يزال داعياً"، فاعتبر الجنس في "الإنسان" على الأول بحسب كل فرد من أفراده، فالتفصيل بحسب أحوال كل شخص، ولهذا قال: "معناه أن المضرور لا يزال داعياً، فهو يدعونا في حالاته كلها"، واعتبر في الثاني الجنس بحسب الأنواع، فالتفصيل بحسب أحوال الأشخاص، قال: "ومِنَ المضرورين من هو أشد حالاً، ومن هو كذا ومن هو كذا".


الصفحة التالية
Icon