فإن قلت: فما كان غرضهم -وهم أدهى الناس وأنكرهم- في هذا الاقتراح؟ قلت: الكيد والمكر، أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن: ففيه أنه من عندك، وأنك قادر على مثله، فأبدل مكانه آخر، وأما اقتراح التبديل والتغيير: فللطمع ولاختبار الحال، وأنه إن وجد منه تبديل، فإمّا أن يهلكه الله فينجوا منه، أو لا يهلكه فيسخروا منه، ويجعلوا التبديل حجة عليه، وتصحيحاً لافترائه على الله.
[(قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُون) ١٦].
(لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ يعنى أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله وإحداثه أمراً عجيباً خارجا عن العادات، وهو أن يخرج رجل أُميّ لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره، ولا نشأ في بلد فيه علماء،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) بقوله: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، ولو حُمل النسخ والتبديل على أن يكون من جهة الوحي - كما جاء في كثير من القرآن - لم يستقم ترتب العذاب عليه.
وقلت: ويُمكن أن يُقال: معناه: ما يتسهل لي ولا يمكنني أن أقترح على الله بأن ينسخ ويُغير ويأتي بما تريدونه؛ لأنه عصيان وطغيان، لأني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، ويكون تعريضاً بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح.
قوله: (وأنكرهم)، الأساس: "فلان فيه نكارة ونكر - بالفتح-: أي: دهاء وفطنة". الراغب: "النكر: الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف، وقد نكر نكارة، قال الله تعالى: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) [القمر: ٦].
قوله: (وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم) إلى آخره: بيان وتفسير لقوله: "أمراً عجيباً".


الصفحة التالية
Icon